فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما عظم أمر الإسلام والإيمان بقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الأخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85] أكد ذلك التعظيم بأن بيّن وعيد من ترك الإسلام، فقال: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في سبب النزول أقوال:
الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في عشرة رهط كانوا آمنوا ثم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم أخذوا يتربصون به ريب المنون فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وكان فيهم من تاب فاستثنى التائب منهم بقوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ}.
الثاني: نقل أيضا عن ابن عباس أنه قال: نزلت في يهود قريظة والنضير ومن دان بدينهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين قبل مبعثه، وكانوا يشهدون له بالنبوّة، فلما بعث وجاءهم بالبينات والمعجزات كفروا بغيًا وحسدًا.
والثالث: نزلت في الحرث بن سويد وهو رجل من الأنصار حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن اسألوا لي هل لي من توبة؟ فأرسل إليه أخوه بالآية، فأقبل إلى المدينة وتاب على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم توبته، قال القفال رحمه الله: للناس في هذه الآية قولان: منهم من قال إن قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا} [آل عمران: 85] وما بعده من قوله: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم} إلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضالون} [آل عمران: 90] نزل جميع ذلك في قصة واحدة، ومنهم من جعل ابتداء القصة من قوله: {إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} [آل عمران: 90] ثم على التقديرين ففيها أيضا قولان أحدهما: أنها في أهل الكتاب.
والثاني: أنها في قوم مرتدين عن الإسلام آمنوا ثم ارتدوا على ما شرحناه. اهـ.

.قال القرطبي:

قال ابن عباس: إن رجلًا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم؛ فأرسل إلى قومه: سَلُوا لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي مِنْ توبة؟ فجاء قومُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل له من توبة؟ فنزلت {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فأرسل إليه فأسلم. أخرجه النسائي.
وفي رواية: أن رجلًا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل الله: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ} إلى قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ} فبعث بها قومُه إليه، فلما قرئت عليه قال: والله ما كذَبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أكذبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة؛ فرجع تائبًا، فقبِل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه.
وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشِّرون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ويَسْتَفْتِحون على الذِين كفروا؛ فلما بُعِث عانَدُوا وكفروا، فأنزل الله عز وجل: {أولئك جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ}.
ثم قيل: كيف لفظة استفهام ومعناه الجحْد، أي لا يهدي الله.
ونظيره قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ} [التوبة: 7] أي لا يكون لهم عهد؛ وقال الشاعر:
كيف نومي على الفِراش ولَمَّا ** يشمل القومَ غارةٌ شَعْواءُ

أي لا نوم لي. اهـ.

.قال الطبري:

وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن: منْ أنّ هذه الآية معنيٌّ بها أهل الكتاب على ما قال، غيرَ أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم، بتأويل القرآن.
وجائز أن يكون الله عز وجل أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات. ثم عرّف عباده سُنته فيهم، فيكون داخلا في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أنُ يبعث، ثم كفر به بعد أن بُعث، وكلّ من كان كافرًا ثم أسلم على عهده صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد وهو حيٌّ عن إسلامه. فيكون معنيًّا بالآية جميعُ هذين الصنفين وغيرُهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله.
فتأويل الآية إذًا: {كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم}، يعني: كيف يُرشد الله للصواب ويوفّق للإيمان، قومًا جحدُوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم {بعد إيمانهم}، أي: بعد تصديقهم إياه، وإقرارهم بما جاءَهم به من عند ربه {وَشهدوا أن الرسول حقّ}، يقول: وبعد أن أقرّوا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلقه حقًّا {وجاءهم البينات}، يعني: وجاءهم الحجج من عند الله والدلائلُ بصحة ذلك؟. اهـ.

.قال الفخر:

اختلف العقلاء في تفسير قوله: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم} أما المعتزلة فقالوا: إن أصولنا تشهد بأنه تعالى هدى جميع الخلق إلى الدين بمعنى التعريف، ووضع الدلائل وفعل الألطاف، إذ لو يعم الكل بهذه الأشياء لصار الكافر والضال معذورًا، ثم أنه تعالى حكم بأنه لم يهد هؤلاء الكفار، فلابد من تفسير هذه الهداية بشيء آخر سوى نصب الدلائل، ثم ذكروا فيه وجوهًا الأول: المراد من هذه الآية منع الألطاف التي يؤتيها المؤمنين ثوابًا لهم على إيمانهم كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] وقال تعالى: {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} [مريم: 76] وقال تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] وقال: {يَهْدِى بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} [المائدة: 16] فدلت هذه الآيات على أن المهتدي قد يزيده الله هدىً.
الثاني: أن المراد أن الله تعالى لا يهديهم إلى الجنة قال تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ} [النساء: 168، 169] وقال: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} [يونس: 9].
والثالث: أنه لا يمكن أن يكون المراد من الهداية خلق المعرفة فيه لأن على هذا التقدير يلزم أن يكون أيضا من الله تعالى لأنه تعالى إذا خلق المعرفة كان مؤمنًا مهتديًا، وإذا لم يخلقها كان كافرًا ضالًا، ولو كان الكفر من الله تعالى لم يصح أن يذمهم الله على الكفر ولم يصح أن يضاف الكفر إليهم، لكن الآية ناطقة بكونهم مذمومين بسبب الكفر وكونهم فاعلين للكفر فإنه تعالى قال: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم} فضاف الكفر إليهم وذمهم على ذلك الكفر فهذا جملة أقوالهم في هذه الآية، وأما أهل السنة فقالوا: المراد من الهداية خلق المعرفة، قالوا: وقد جرت سنة الله في دار التكليف أن كل فعل يقصد العبد إلى تحصيله فإن الله تعالى يخلقه عقيب قصد العبد، فكأنه تعالى قال: كيف يخلق الله فيهم المعرفة وهم قصدوا تحصيل الكفر أو أرادوه والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وشهدوا}:

.قال الفخر:

قوله: {وشهدوا} فيه قولان:
الأول: أنه عطف والتقدير بعد أن آمنوا وبعد أن شهدوا أن الرسول حق، لأن عطف الفعل على الاسم لا يجوز فهو في الظاهر وإن اقتضى عطف الفعل على الاسم لكنه في المعنى عطف الفعل على الفعل.
الثاني: أن الواو للحال بإضمار (قد) والتقدير: كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم حال ما شهدوا أن الرسول حق. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
تقدير الآية: كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم، وبعد الشهادة بأن الرسول حق، وقد جاءتهم البينات، فعطف الشهادة بأن الرسول حق، على الإيمان، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فيلزم أن الشهادة بأن الرسول حق مغاير للإيمان.
وجوابه: إن مذهبنا أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والشهادة هو الإقرار باللسان، وهما متغايران فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالة على أن الإيمان مغاير للإقرار باللسان وأنه معنى قائم بالقلب. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
اعلم أنه تعالى استعظم كفر القوم من حيث أنه حصل بعد خصال ثلاث:
أحدها: بعد الإيمان.
وثانيها: بعد شهادة كون الرسول حقًا.
وثالثها: بعد مجيء البينات، وإذا كان الأمر كذلك كان ذلك الكفر صلاحًا بعد البصيرة وبعد إظهار الشهادة، فيكون الكفر بعد هذه الأشياء أقبح لأن مثل هذا الكفر يكون كالمعاندة والجحود، وهذا يدل على أن زلة العالم أقبح من زلة الجاهل. اهـ.

.قال ابن عادل:

الاستفهام فيه كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} [البقرة: 28].
وقيل: الاستفهام- هنا- معناه النَّفْي كقوله: [الخفيف]
كَيْفَ نَوْمي عَلَى الْفِرَاش وَلَمَّا ** تَشمَلِ الشَّامَ غَارَةٌ شَعْوَاءُ؟

وقول الآخر: [الطويل]
فَهَذِي سُيُوفٌ يَا صُدَبُّ بْنَ مَالِكٍ ** كَثِيرٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِالسَّيْفِ ضَارِبُ؟

يعني: أين بالسيف؟
{وشهدوا} في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنها معطوفة على {كَفَرُوا} و{كَفَرُوا} في محل نَصْب؛ نعتًا لِـ {قومًا} أي: كيف يهدي من جمع بين هذين الأمرين، وإلى هذا ذهب ابنُ عطيةَ والحَوْفِيُّ وأبو البقاء، وردَّه مكيّ، فقال: لا يجوز عطف {شَهِدُوا} على {كَفَرُوا} لفساد المعنى. ولم يُبَيِّن جهَةَ الفساد، فكأنه فهم الترتيب بين الكفر والشهادة، فلذلك فَسَد المعنى عنده. وهذا غير لازم؛ فإن الواو لا تقتضي ترتيبًا، ولذلك قال ابن عطيةَ: المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكُفْر، والواو لا تُرَتِّب.
الثاني: أنها في محل نصب على الحال من واو {كَفَرُوا} فالعامل فيها الرافع لصاحبها، وقد مضمرة معها على رأي- أي كفروا وقد شهدوا، وإليه ذهب جماعةٌ كالزمخشريِّ، وأبي البقاء وغيرهما.
قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون العامل {يَهْدِي}؛ لأنه يهدي من شَهِدَ أن الرسولَ حق.
يعني أنه لا يجوز أن يكون حالًا من {قَوْمًا} والعاملُ في الحالِ {يَهْدِي} لما ذكر من فساد المعنى.
الثالث: أن يكون معطوفًا على {إيمَانِهِمْ} لما تضمَّنه من الانحلال لجملة فعلية؛ إذ التقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا، وإلى هذا ذهب جماعة.
قال الزمخشريُّ: أن يُعْطَف على ما في {إيمانهم} من معنى الفعل؛ لأن معناه: بعد أن آمنوا، كقوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} [المنافقون: 10] وقول الشاعر: [الطويل]
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ** وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا

وجه تنظيره ذلك بالآية والبيت يوهم ما يسوِّغ العطف عليه في الجملة، كذا يقول النحاة: جزم على التوهم أي لسقوط الفاء؛ إذْ لو سقطت لانجزم في جواب التحضيض، ولذا يقولون: توهَّم وجودَ الباء فَجَرَّ.
وفي العبارة- بالنسبة إلى القرآن- سوء أدبٍ، ولكنهم لم يقصدوا ذلك.
وكان تنظير الزمخشري بغير ذلك أولى، كقوله: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضًا حَسَنا} [الحديد: 18].
إذ هو في قوة: إن الذين تصدقوا وأقرضوا.
وقال الواحدي: عطف الفعل على المصدر؛ لأنه أرادَ بالمصدر الفعلَ، تقديره: كفروا بالله بعد أن آمنوا، فهو عطف على المعنى، كقوله: [الوافر]
لَلُبْسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي ** أحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

معناه: لأن ألبس عباءةً وتقرَّ عيني.
وظاهر عبارة الزمخشري والواحدي أن الأول مؤوَّل لأجل الثاني، وهذا ليس بظاهر؛ لأنا إنما نحتاج إلى ذلك لكون الموضع يطلب فِعْلًا، كقوله: {إِنَّ المصدقين} لأن الموصول يطلب جملة فعلية، فاحتجنا أن نتأول اسم الفاعل بفعله، وعطفنا عليه و{أقرضُوا} وأما {بعد إيمانهم} وقوله: للبس عباءة، فليس الاسم محتاجًا إلى فِعل، فالذي ينبغي هو أن نتأوَّل الثاني باسم؛ ليصحَّ عطفه على الاسم الصريح قبله، وتأويله بأن تأتي معه بأن المصدريَّة مقدَّرةً، تَقْدِيرُهُ: بعد إيمانهم وأن شهدوا أي وشهادتهم، ولهذا تأول النحويون قوله: للُبْسُ عباءة وتقرَّ: وأن تَقَرَّ، إذ التقدير: وقرة عيني، وإلى هذا ذهب أبو البقاء، فقال: التقدير: بعد أن آمنوا وأن شهدوا، فيكون في موضع جر، يعني أنه على تأويل مصدر معطوف على المصدر الصحيح المجرور بالظرف.
وكلام الجرجاني فيه ما يشهد لهذا، ويشهد لتقدير الزمخشريّ؛ فإنه قال: قوله: {وَشَهِدُوا} منسوق على ما يُمْكن في التقدير، وذلك أن قوله: {بعد إيمانهم} يمكن أن يكون: بعد أن آمنوا، وأن الخفيفة مع الفعل بمنزلة المصدر، كقوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُم} [البقرة: 184]، أي: والصوم.
ومثله مما حُمِل فيه على المعنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِل} [الشورى: 51] فهو عطف على قوله: {إلا وحيًا} ويمكن فيه: إلاَّ أن يُوحِيَ إليه، فلما كان قوله: {إلا وحيًا} بمعنى: إلا أن يُوحِي إليه، حمله على ذلك.
ومثله من الشعر: [الطويل]
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِنْ بَيْنِ مُنْضِجٍ ** صَفِيفَ شواءٍ أوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

خفض قوله: قدير؛ لأنه عطف على ما يمكن في قوله: منضج؛ لأنه أمكن أن يكون مضافًا إلى الصفيف، فحملَه على ذلك، فإتيانه بهذا البيت نظير إتيان الزمخشريِّ بهذه الآيةِ الكريمةِ والبيت المتقدميْن؛ لأنه جر {قدير} هنا على التوهُّم، كأنه توهَّم إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله؛ تخفيفًا، فَجرَّ على التوهُّم كما توهم الآخر وجود الباء في قوله: ليسوا مصلحين؛ لأنها كثيرًا ما تزاد في خبر ليس.
فإن قيل: إذا كان تقدير الآية: كيف يهدي اللهُ قومًا كفروا بعد الإيمان وبعد الشهادةِ بأن الرسول حق، وبعد أن جاءَهم البيِّنات، فعطف الشهادة بأن الرسول حَقٌّ يقتضي أنه مغاير للإيمان.
فالجواب: أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والشهادة هي الإقرار باللسان، فهما متغايران.
وقوله: {أن الرسول} الجمهور على أنه وَصْف بمعنى المُرْسَل، وقيل: هو بمعنى الرسالةِ، فيكون مصدرًا، وقد تقدم. اهـ.